مع تسارع التحول نحو السيارات الكهربائية حول العالم، يبرز الوقود الاصطناعي أو ما يعرف بـ"الوقود الإلكتروني" (e-Fuel) كخيار وسطي يثير جدلاً واسعاً في أوساط صناعة السيارات والبيئة. فهل يمكن أن يكون هذا الوقود هو الجسر الذي يعبر بنا من عصر محركات الاحتراق إلى عصر السيارات الكهربائية بالكامل؟ أم أنه مجرد حل مؤقت أمام تحديات الكهرباء الكاملة؟
ما هو الوقود الاصطناعي e-Fuel؟
الوقود الاصطناعي هو نوع من الوقود البديل يتم تصنيعه عبر عملية كيميائية تجمع بين الهيدروجين، المستخرج من تحليل الماء باستخدام الكهرباء المتجددة (كالطاقة الشمسية أو الرياح)، وثاني أكسيد الكربون الملتقط من الهواء أو من مصادر صناعية. النتيجة هي وقود سائل يمكن استخدامه في محركات الاحتراق الداخلي التقليدية دون الحاجة إلى تعديلات كبيرة، مثل الميثانول أو الإيثانول أو حتى وقود مشابه للبنزين والديزل.
كيف يعمل الوقود الإلكتروني؟
تمر عملية إنتاج e-Fuel بثلاث مراحل رئيسية:
تحليل الماء كهربائياً لفصل الهيدروجين عن الأكسجين باستخدام كهرباء نظيفة.
التقاط ثاني أكسيد الكربون من الهواء أو من مصادر صناعية.
دمج الهيدروجين مع ثاني أكسيد الكربون لإنتاج وقود سائل يمكن ضخه في السيارات الحالية.
ما يميز هذا الوقود أنه عند احتراقه في المحرك، يطلق فقط كمية ثاني أكسيد الكربون التي تم التقاطها مسبقاً، ما يجعله نظرياً "محايد كربونياً"، أي لا يضيف انبعاثات جديدة للغلاف الجوي.
مزايا الوقود الاصطناعي
خفض الانبعاثات: عند استخدام e-Fuel، يتم تقليل الانبعاثات الكربونية بنسبة تصل إلى 77% مقارنة بالوقود الأحفوري التقليدي، ويُعد خياراً صديقاً للبيئة خاصة في الدول التي تعاني من بطء التحول الكهربائي.
التوافق مع البنية التحتية الحالية: يمكن استخدامه في ملايين السيارات الموجودة حالياً دون الحاجة لتغيير المحركات أو شبكات التوزيع، ما يتيح انتقالاً سلساً وأقل تكلفة نحو مستقبل منخفض الكربون.
أداء مماثل للوقود التقليدي: أظهرت التجارب أن القوة وعزم الدوران ومعدل استهلاك الوقود في المحركات الحديثة لا تتأثر سلباً عند استخدام الوقود الإلكتروني.
إطالة عمر سيارات الاحتراق: يمكن أن يساعد في إبقاء سيارات البنزين والديزل على الطريق لسنوات إضافية، خاصة في الأسواق التي يصعب فيها التحول السريع للكهرباء.
التحديات والعيوب
تكلفة الإنتاج المرتفعة: إنتاج e-Fuel يتطلب كميات هائلة من الكهرباء المتجددة وتقنيات متقدمة، ما يجعل سعره حالياً أعلى بكثير من البنزين أو الديزل التقليدي.
كفاءة الطاقة المنخفضة: الكفاءة الإجمالية لتحويل الكهرباء إلى وقود سائل ثم إعادة استخدامه في محرك احتراق أقل بكثير من كفاءة استخدام الكهرباء مباشرة في السيارات الكهربائية. تقدر الكفاءة الإجمالية بأقل من 30%، مقابل نحو 90% للسيارات الكهربائية.
توافر الطاقة المتجددة: نجاح الوقود الإلكتروني يعتمد على توفر مصادر طاقة متجددة رخيصة ونظيفة، وهو أمر غير متاح في جميع الدول.
التأثير البيئي لالتقاط ثاني أكسيد الكربون: عملية التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون نفسها تستهلك طاقة كبيرة، ما قد يقلل من الفائدة البيئية للوقود الإلكتروني مقارنة بالسيارات الكهربائية.
هل سيكون e-Fuel الحل الوسيط فعلاً؟
يرى كثير من الخبراء أن الوقود الاصطناعي يمكن أن يلعب دوراً انتقالياً مهماً في السنوات المقبلة، خاصة في القطاعات التي يصعب كهربتها بسرعة مثل الشاحنات الثقيلة والطيران، أو في الدول ذات البنية التحتية المحدودة للكهرباء. كما أن الاتحاد الأوروبي وافق مؤخراً على استمرار بيع سيارات الاحتراق الداخلي التي تعمل بالوقود الإلكتروني بعد 2035، بشرط أن تكون مزودة بتقنيات تمنع استخدام الوقود الأحفوري.
مع ذلك، لا يُتوقع أن ينافس e-Fuel السيارات الكهربائية من حيث الكفاءة أو التكلفة على المدى الطويل، بل سيكون حلاً تكميلياً يساعد على تقليل الانبعاثات في مرحلة الانتقال، ويمنح الوقت الكافي لتطوير البنية التحتية للكهرباء وتخفيض أسعار البطاريات.
الوقود الاصطناعي e-Fuel يمثل بارقة أمل لإطالة عمر سيارات الاحتراق الداخلي وتخفيف الانبعاثات الكربونية خلال فترة الانتقال نحو الكهربة الكاملة. لكنه ليس الحل النهائي، بل خيار وسيط مؤقت يواجه تحديات اقتصادية وتقنية وبيئية. المستقبل يبقى للسيارات الكهربائية، لكن e-Fuel قد يكون "جسر الأمان" الذي نعبر به نحو هذا المستقبل، خاصة في القطاعات والأسواق التي يصعب كهربتها بسرعة.
تمارا محررة تعمل في مجال السيارات منذ أكثر من ثلاث سنوات. وهي أيضاً صانعة محتوى في مجال السيارات، تنشر مراجعات ونصائح للسيارات على منصاتها للتواصل الاجتماعي. حاصلة على شهادة في الترجمة، وتعمل أيضاً كمترجمة مستقلة، وكاتبة إعلانات، ومؤدية صوتية، ومحررة فيديو. خضعت لدورات في أجهزة فحص السيارات OBD وتشخيص الأعطال، وعملت أيضاً كمندوبة مبيعات سيارات لمدة عام، بالإضافة إلى تدريبها في شركة سكودا لبنان لمدة شهرين. كما تعمل في مجال التسويق منذ أكثر من عامين، وتُنشئ محتوى على منصات التواصل الاجتماعي للشركات الصغيرة.
