- تمدد تدريجي وخيارات محسوبة
- بنزين قبل الكهرباء: خيار تكتيكي وليس رجعي
- نتائج واعدة رغم حداثة العهد
- التجربة الروسية: إشارات تحذيرية وخطط بديلة
- نحو مستقبل أوروبي بثقة أكبر
في خطوة تعكس دقة في التخطيط ورؤية توسعية حذرة، تواصل شركة شيري الصينية تعزيز موقعها كأبرز مُصدّر للسيارات بين الشركات الصينية. فقد سجلت خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2025 صادرات تجاوزت 343,203 سيارة، بينها ما يقارب 87,738 سيارة في شهر أبريل فقط. ويأتي هذا الأداء ليعزز سجلها المستمر منذ 22 عامًا في صدارة صادرات السيارات الصينية.
غير أن اللافت في تحركاتها الأخيرة كان دخولها المتأخر إلى السوق الأوروبية، وبسيارات تعمل بالبنزين، في وقت تتجه فيه كبرى الشركات نحو الطاقة الكهربائية.
تمدد تدريجي وخيارات محسوبة
اختارت شيري أن تبدأ انتشارها الأوروبي من دول الجنوب مثل إسبانيا، متجنبة الدخول المباشر إلى أسواق مكتظة بالمنافسة مثل ألمانيا والمملكة المتحدة. ويعكس هذا القرار اعتماد الشركة على استراتيجية “الزحف الهادئ”، القائمة على بناء قاعدة عملاء مستقرة في أسواق أقل ازدحامًا، قبل التوسع إلى مراكز التأثير الكبرى. ووفقًا لتصريحات نائب رئيس الشركة، فإن الأهم ليس الوصول أولًا، بل تفادي الأخطاء في التوقيت والتنفيذ.
ويُظهر هذا النهج إدراكًا عميقًا لتقلبات السوق الأوروبي وتحدياته السياسية والاقتصادية. بدلاً من الاعتماد على الحملات الدعائية الصاخبة، تركز شيري على تقديم طرازات موثوقة بتصاميم جذابة وأسعار منافسة، بما يمنحها موطئ قدم تدريجي في القارة العجوز.
بنزين قبل الكهرباء: خيار تكتيكي وليس رجعي
في حين تسير معظم العلامات نحو السيارات الكهربائية، تتبنى شيري خيارًا مختلفًا بالتركيز أولًا على الطرازات العاملة بالبنزين. ورغم أن هذا الاتجاه يبدو منافياً للتيار السائد، إلا أنه مبني على قراءة دقيقة لأرض الواقع الأوروبي، حيث لا تزال السيارات الكهربائية تواجه عوائق تشمل تقلب سياسات الدعم، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وضعف هامش الربح.
وقد حذّر مسؤولون في شركات أوروبية كبرى، مثل فولكس فاجن، من تأثير النمو المتسارع للسيارات الكهربائية على أرباح الشركات خلال 2025، ما يؤكد صعوبة المرحلة الانتقالية. بناءً على ذلك، تعتمد شيري سياسة “الازدواجية الذكية”، فتُركّز على طرازات البنزين كمصدر ربح رئيسي، وتستثمر بهدوء في الكهرباء كدافع تكميلي.
هذا التوجه تجسّد في إطلاق علامتي OMODA وJAECOO، الموجهتين للأسواق العالمية. فمثلًا، خلال الربع الأول من 2025، باعت OMODA نحو 3,002 سيارة من طراز OMODA 5 بمحرك بنزين، مقابل 588 فقط من النسخة الكهربائية E5. أما JAECOO، فحققت أداءً أقوى مع مبيعات تجاوزت 13,829 سيارة بنزين.
نتائج واعدة رغم حداثة العهد
على الرغم من حداثة وجود علامتي OMODA وJAECOO في أوروبا، فإن أدائهما المبكر يكشف عن قدرة تنافسية قوية، خاصة في فئة المحركات التقليدية. فقد سجلت OMODA إجمالي 7,947 سيارة خلال الربع الأول، بينها 703 فقط كهربائية، والبقية من طرازات البنزين. هذا الاختلال في التوزيع يؤكد تفضيل المستهلك الأوروبي الحالي للسيارات ذات محركات الاحتراق.
وتجاوزت OMODA في أدائها علامات أخرى مثل إكس بينج، واقتربت من بي واي دي التي سجلت 20,265 سيارة في عام 2024. واحتلت OMODA المرتبة 41 بين العلامات المسجلة في أوروبا، في حين جاءت إكس بينج بمركز أدنى. من ناحيتها، قدّمت JAECOO أداءً لافتًا في فئتها مع 13,829 سيارة في الربع الأول فقط، وهو رقم يؤكد جاذبيتها التصميمية والتجهيزية في فئة السيارات متوسطة الحجم.
التجربة الروسية: إشارات تحذيرية وخطط بديلة
كانت شيري قد حققت نجاحًا كبيرًا في السوق الروسي، حيث بلغت حصتها 20.4% خلال 2024، خلف علامة لادا فقط. لكن التطورات السياسية والاقتصادية هناك، خاصة بعد فرض ضرائب جديدة على السيارات المستوردة بنسبة تصل إلى 85%، دفعت الشركة إلى مراجعة خططها.
ففي نشرة الاكتتاب الخاصة ببورصة هونغ كونغ، أكدت شيري عزمها تقليص تواجدها في روسيا تدريجيًا، تجنبًا لأي عقوبات محتملة من الغرب، وحرصًا على حماية استثماراتها بعيدة المدى. هذه الخطوة تُظهر مرونة الشركة وقدرتها على تكييف خططها وفقًا للمتغيرات الجيوسياسية.
نحو مستقبل أوروبي بثقة أكبر
رغم تأخرها النسبي في دخول أوروبا، تؤكد شيري اليوم نضجًا في الاستراتيجية وقوة في الأداء. فتوجهها نحو البنزين لم يكن مجازفة عشوائية، بل حساب دقيق لعناصر السوق وميزان التكاليف والأرباح. ومع حفاظها على جاهزيتها للتحول الكهربائي، تكون الشركة قد ضمنت توازنًا مثاليًا بين الاستقرار والابتكار.
ومع استمرار التوسع في الأسواق الجنوبية وبناء سمعة إيجابية تدريجيًا، قد نشهد خلال الأعوام المقبلة صعود شيري من منافس ناشئ إلى أحد الأسماء اللامعة في قطاع السيارات الأوروبي. فالنجاح في صناعة السيارات لا يُقاس فقط بالسرعة، بل بقدرة العلامة على قراءة السوق وتفادي العثرات، وهو ما تجيده شيري بهدوء وذكاء.
2 / 13