كارتيأخبارعالم السياراتهل تحوّلنا السيارات الكهربائية إلى “هوائيات بشرية”؟ دراسة ألمانية تُطمئن السائقين وتكشف مفاجآت غير متوقعة

هل تحوّلنا السيارات الكهربائية إلى “هوائيات بشرية”؟ دراسة ألمانية تُطمئن السائقين وتكشف مفاجآت غير متوقعة

تمارا شلق
تمارا شلق
تم النشر: 2025-12-01
تحديث: 2025-12-01
الفهرس

مع انتشار السيارات الكهربائية على طرق العالم، ظهرت مجموعة من المخاوف الجديدة لدى السائقين، بعيدًا عن النطاق والبطارية والأسعار. أحد أكثر الأسئلة تكرارًا هو: هل الجلوس فوق حزمة بطاريات ضخمة ومحاطة بمحركات كهربائية وأسلاك جهد عالٍ قد يعرّضنا لمستويات خطيرة من الإشعاع أو المجالات الكهرومغناطيسية؟
حديث المقاهي ومجموعات واتساب أحيانًا يضخّم هذه المخاوف ويحولها إلى “أساطير حضرية”، لكن دراسة حديثة أجراها نادي السيارات الألماني ADAC لصالح المكتب الاتحادي للحماية من الإشعاع في ألمانيا جاءت لتضع أرقامًا حقيقية خلف هذه التساؤلات، وتقدّم إجابة علمية عملية بدل التكهنات.

ما هو نوع “الإشعاع” المقصود؟

قبل الخوض في نتائج الدراسة، من المهم توضيح نقطة أساسية:

  • الحديث هنا ليس عن الإشعاع المؤيَّن (مثل أشعة إكس أو جاما) المرتبط بالسرطان وأضرار الـDNA.

  • بل عن المجالات الكهرومغناطيسية منخفضة التردد والمرتبطة بمرور التيار في الكابلات والمحركات وحزم البطاريات، وهي ما يُسمى في بعض التقارير “الضباب الكهرومغناطيسي” أو Electrosmog.

هذه المجالات موجودة حولنا طوال الوقت:

  • في محركات السيارات التقليدية ومولداتها وأنظمتها الإلكترونية.

  • في الأجهزة المنزلية مثل الميكروويف، الحاسوب، الهواتف، وحتى خطوط الكهرباء في الجدران.
    السؤال الحقيقي إذن ليس: “هل توجد مجالات؟” بل: “هل مستوياتها في السيارات الكهربائية تتجاوز الحدود الآمنة؟”.

تصميم الدراسة الألمانية: كيف تم الاختبار؟

الدراسة التي نُفّذت في ألمانيا اعتمدت على منهجية عملية تحاول محاكاة ظروف الاستخدام الواقعية قدر الإمكان:

  • تم اختيار 11 سيارة كهربائية من علامات مختلفة، إضافة إلى عدد محدود من السيارات الهجينة وكِلابن نموذج واحد بمحرك احتراق تقليدي للمقارنة.​

  • استخدم المهندسون دمية مخصصة مزوّدة بعشرة مجسات لقياس شدة المجالات الكهرومغناطيسية في مناطق متعددة من المقصورة.​

  • تم تغيير وضعية الدمية بين أكثر من موضع جلوس (مثل مقعد السائق والراكب الأمامي وربما الخلفي) لالتقاط فروق التعرّض في أماكن الجسم المختلفة.​

  • جرت القياسات أثناء القيادة في ظروف حقيقية، وكذلك أثناء الشحن، سواء باستخدام شواحن AC البطيئة أو شواحن DC السريعة.​

الهدف كان واضحًا: معرفة مدى ارتفاع شدة المجالات في أسوأ السيناريوهات الواقعية، ومقارنتها بالحدود التي يعتبرها العلماء آمنة وفق المعايير الدولية.

ماذا أظهرت الأرقام؟

الخلاصة الأساسية للدراسة يمكن تلخيصها في جملة واحدة:
مستويات التعرض للمجالات الكهرومغناطيسية داخل السيارات الكهربائية، سواء أثناء القيادة أو الشحن، بقيت أقل بكثير من الحدود الموصى بها من الجهات العلمية المختصة.​

تفاصيل مهمة:

  • بعض اللحظات شهدت “قممًا” سريعة في شدة المجال، مثل حالات التسارع القوي أو الكبح الحاد أو عند تشغيل مكوّن كهربائي معين، لكن هذه القمم كانت قصيرة وغير متواصلة.​

  • القياسات التي حُسبت على أساس “ما يصل فعليًا إلى جسم الإنسان” من حيث الكثافة والتيار داخل الأنسجة جاءت جميعها ضمن هامش واسع من الأمان.​

بمعنى آخر: من منظور علمي، لم تُظهر الدراسة أي سيناريو واقعي داخل حدود الاختبار يمكن أن يقرّب الركاب من مستويات تعتبر خطرة على الخلايا العصبية أو أنسجة الجسم أو الأجهزة الطبية المزروعة مثل منظمات ضربات القلب.​

أين تتركز أعلى القراءات داخل المقصورة؟

أحد الجوانب المثيرة في الدراسة هو توزيع شدة المجالات داخل السيارة، إذ لم تكن أعلى القراءات قرب الرأس أو الصدر كما قد يتوقع البعض، بل:

  • تركزت القيم الأعلى عادة في منطقة حيز الأقدام (footwell)، حيث تكون وحدات القيادة الكهربائية وأسلاك الجهد العالي أقرب إلى جسم الراكب.​

  • في المقابل، سجلت منطقة الرأس والصدر قيمًا منخفضة للغاية تكاد تكون قريبة من الخلفية الطبيعية للمجالات في أي سيارة حديثة.​

هذا يعني أن الجالس على المقعد لا يتعرض لمجال “يخترق رأسه” أو “يشحن دماغه” كما يروّج بعض المحتوى المضلل، بل أن الجزء الأكبر من أي مجال إضافي يظل محصورًا في مناطق سفلية بعيدة عن الأعضاء الحيوية الحساسة.

مفاجأة الدراسة: المقاعد المدفّأة

من النتائج اللافتة أن إحدى أقوى القراءات الكهرومغناطيسية لم تأتِ من البطارية أو وحدة الدفع، بل من عنصر اعتدنا عليه في السيارات الحديثة دون تفكير كبير:

  • أنظمة تدفئة المقاعد.​

أظهرت القياسات أن المقاعد المدفّأة تولّد مستويات ملحوظة من المجالات الكهرومغناطيسية:

  • هذا الأمر لم يقتصر على السيارات الكهربائية؛ بل ظهر كذلك في السيارات الهجينة وحتى السيارة المزودة بمحرك احتراق داخلي التي شملتها الدراسة.​

  • ورغم ذلك، بقيت هذه القراءات أيضًا ضمن الحدود الآمنة وبفارق مريح عن أي مستوى يُعتبر مقلقًا طبيًا.​

الدرس المهم هنا أن وجود “مجال كهرومغناطيسي” ليس شيئًا خاصًا بالسيارات الكهربائية؛ بل هو جزء من بيئة كل سيارة حديثة تعتمد على معدات كهربائية متزايدة، من السخانات إلى الشواحن اللاسلكية.

هل يتغير الأمر أثناء الشحن؟

يخشى بعض المستخدمين من أن لحظة توصيل السيارة بمنفذ الشحن، خاصة في الشواحن السريعة، قد تكون لحظة تعرّض مكثّف للمجالات الكهرومغناطيسية. الدراسة تعاملت مع هذا السؤال مباشرة:

  • عند بدء الشحن باستخدام التيار المتردد (AC)، رُصدت قيم أعلى للمجالات بالقرب من مقبس الشحن، خصوصًا في اللحظات الأولى لانطلاق الجلسة.​

  • لكن حتى هذه القمم بقيت ضمن حدود الإرشادات الآمنة ولم تقترب من مستويات الخطر، مع الأخذ في الاعتبار أن الوقوف بجوار منفذ الشحن لفترة طويلة ليس سلوكًا طبيعيًا للمستخدم أصلاً.​

  • المفارقة أن الشحن السريع بالتيار المستمر (DC)، رغم قدرته الأعلى، أنتج مجالات أضعف من الشحن البطيء بالتيار المتردد في ظروف الاختبار تلك.​

الخلاصة: الشحن لا يغيّر الصورة العامة؛ لا يوجد “انفجار” مفاجئ في شدة الإشعاع يجعل السيارة أخطر عند الشحن منها أثناء القيادة.

مقارنة مع السيارات التقليدية: من هو “الأكثر نظافة” كهرومغناطيسيًا؟

واحدة من النقاط المهمة في تقرير ADAC أن السيارات الكهربائية لم تظهر أسوأ حالًا من السيارات ذات محركات الاحتراق، بل:

  • جاءت مستويات “الضباب الكهرومغناطيسي” في بعض السيارات الكهربائية أقل من نظيراتها العاملة بالبنزين أو الديزل.​

  • الأنظمة الإلكترونية، وحدات الإشعال، المولدات، ومجموعة من المكونات الكهربائية في السيارات التقليدية تشكّل هي الأخرى مصادر مستمرة للمجالات الكهرومغناطيسية منذ عقود.​

وبالتالي، فإن السؤال الذي كان يُطرح “هل السيارات الكهربائية أخطر كهرومغناطيسيًا من السيارات العادية؟” يمكن أن يُقلب:
في ضوء هذه الدراسة، قد تكون بعض السيارات الكهربائية أكثر “هدوءًا” من ناحية المجالات الكهرومغناطيسية من سيارات البنزين التي اعتدنا عليها دون قلق.

ماذا عن الأشخاص الذين لديهم أجهزة طبية مزروعة؟

من الأسئلة الحساسة أيضًا: هل يمكن أن تشكل هذه المجالات خطرًا على من يستخدم منظم ضربات القلب أو أجهزة طبية أخرى مزروعة؟
الدراسة لم تُبلغ عن أي سيناريو وصلت فيه القراءات في منطقة الصدر أو الرأس إلى حدود يمكن أن تتعارض مع المعايير المعتمدة لحماية الأشخاص الحاملين لهذه الأجهزة.​
ومع ذلك، يبقى من الحكمة أن يستشير أي شخص لديه جهاز طبي مزروع طبيبه المعالج، خاصة إذا كان يقضي ساعات طويلة يوميًا في السيارة أو يعمل في بيئة غنية بالمعدات الكهربائية ذات الجهد العالي. التوصية العامة هنا لا تختلف عن التوصيات الخاصة باستخدام الهواتف المحمولة أو المرور تحت خطوط الكهرباء عالية الجهد.

لماذا ينتشر الخوف من “إشعاع” السيارات الكهربائية؟

رغم هذه النتائج المطمئنة، لا يزال الخوف من “إشعاع” السيارات الكهربائية حاضرًا في أحاديث كثيرين. يمكن تفسير ذلك بعدة عوامل:

  • الطبيعة غير المرئية للمجالات الكهرومغناطيسية، ما يجعلها أرضًا خصبة للتخيلات والتضخيم.

  • الخلط بين أنواع الإشعاع المختلفة، واعتقاد البعض أن كل ما يحمل اسم “إشعاع” يعني خطرًا مشابهًا للمفاعلات النووية أو الأشعة الطبية.

  • الانتشار السريع للتقنيات الجديدة دائمًا ما يرافقه قلق اجتماعي، كما حدث سابقًا مع الهواتف المحمولة وشبكات Wi-Fi وأبراج الاتصالات.

هنا يأتي دور الدراسات العلمية المستقلة لتفنيد الشائعات بأرقام واضحة، وتوضيح الفروق بين الخطر الحقيقي والقلق غير المبرر.

على ماذا يجب أن يقلق سائق السيارة الكهربائية فعلاً؟

إذا أزحنا هاجس “الإشعاع” جانبًا وفق ما تشير إليه الأرقام حتى الآن، فإن السائق المهتم بسلامته وسلامة عائلته في عالم السيارات الكهربائية يمكن أن يركز على نقاط أكثر واقعية، مثل:

  • اختيار شاحن منزلي معتمد وتركيبه عبر كهربائي مرخّص لضمان سلامة التمديدات.​

  • الالتزام بإرشادات الشركة المصنعة من حيث طريقة شحن البطارية وعدم العبث بنظام الجهد العالي.

  • الانتباه لعوامل السلامة التقليدية: حزام الأمان، السرعة القانونية، صيانة الإطارات والفرامل، وعدم الانشغال بالهاتف أثناء القيادة.

ففي نهاية المطاف، تبقى هذه العوامل – كما تُظهر الإحصاءات – السبب الأكبر للحوادث والوفيات على الطرق، وليس “الإشعاع” القادم من البطارية.

الدراسة الألمانية التي فحصت مستويات المجالات الكهرومغناطيسية في مجموعة من السيارات الكهربائية والهجينة والتقليدية تخلص إلى نتيجة واضحة:
لا توجد دلائل على أن السيارات الكهربائية تعرّض السائقين أو الركاب لمستويات خطرة من الإشعاع الكهرومغناطيسي، بل إن بعض هذه السيارات أقل “ضجيجًا كهرومغناطيسيًا” من السيارات ذات محركات الاحتراق.​
حتى مع وجود قمم لحظية في شدة المجال أثناء التسارع أو الكبح أو عند تشغيل بعض الأنظمة، تبقى القيم المقاسة أقل بكثير من الحدود المسموح بها وفق المعايير الدولية.​
على المدى القريب، يمكن القول إن الخوف من “الجلوس فوق بطارية تشحنك بالإشعاع” لا يجد دعمًا في البيانات المتاحة. أما على المدى البعيد، فستستمر الأبحاث في متابعة الموضوع مع انتشار أوسع للسيارات الكهربائية، لكن حتى إشعار آخر، يبدو أن مصادر القلق الحقيقية على الطرق لا تزال هي نفسها: السرعة، عدم الانتباه، وسوء السلوك خلف المقود.

اقرأ أيضا:

تمارا شلقتمارا شلق
معلومات رئيس التحرير:

تمارا محررة تعمل في مجال السيارات منذ أكثر من ثلاث سنوات. وهي أيضاً صانعة محتوى في مجال السيارات، تنشر مراجعات ونصائح للسيارات على منصاتها للتواصل الاجتماعي. حاصلة على شهادة في الترجمة، وتعمل أيضاً كمترجمة مستقلة، وكاتبة إعلانات، ومؤدية صوتية، ومحررة فيديو. خضعت لدورات في أجهزة فحص السيارات OBD وتشخيص الأعطال، وعملت أيضاً كمندوبة مبيعات سيارات لمدة عام، بالإضافة إلى تدريبها في شركة سكودا لبنان لمدة شهرين. كما تعمل في مجال التسويق منذ أكثر من عامين، وتُنشئ محتوى على منصات التواصل الاجتماعي للشركات الصغيرة.

شارك المقال

السابق: خصم المخالفات في عيد الاتحاد 2024: كيف تحتفل على طرق الإمارات دون أن تدفع الثمن؟

تعليقات

avatar
إضافة تعليق...
إضافة تعليق...