- من أذرع التحكم إلى الذكاء الاصطناعي
- لماذا تختار جامعة ماريلاند لعبة ماريو كارت؟
- فابل رمزية: "ماريو ومعلمه الآلي"
- كيف يتعلم الذكاء الاصطناعي القيادة؟
- أهمية المشروع في تطوير السيارات الذاتية
- مراحل التعلم العلمي
- فوائد الجيل الجديد من التدريب الافتراضي
- نظرة الباحثين للمستقبل
- الدروس المستخلصة
من منا لم يقض ساعاتٍ طويلةٍ أمام شاشة التلفاز يتسابق مع الأصدقاء في لعبة "ماريو كارت"، محاولاً تجاوز العقبات والموز الطائر على طريق قوس قزح الشهير؟ ولكن يبدو أن تلك اللعبة التي شكلت جزءاً من طفولتنا أصبحت اليوم وسيلة لتشكيل المستقبل — إذ يستخدمها العلماء لتعليم السيارات ذاتية القيادة كيف تسوق بأمان.
![]()
ففي جامعة ماريلاند الأمريكية، قرر فريق من الباحثين بقيادة البروفيسورة "مومو شو" تحويل لعبة الفيديو الأشهر في التاريخ إلى مختبر ذكاء اصطناعي مفتوح، يسهم في تحسين أنظمة القيادة الذاتية حول العالم من خلال التعلم من تجربة ماريو وسلوكياته على الحلبة الافتراضية.
من أذرع التحكم إلى الذكاء الاصطناعي
يعمل المشروع بتمويل من مركز أبحاث الطيران البحري في الولايات المتحدة (Naval Air Warfare Center)، ويركز على تطوير برمجيات آمنة للسيارات ذاتية القيادة باستخدام تقنية "التعلم العميق بالتعزيز" (Deep Reinforcement Learning).
يقوم الباحثون بإعادة برمجة اللعبة حتى يتمكن الذكاء الاصطناعي من قيادة السيارة داخل اللعبة تماماً كما يفعل اللاعب البشري.
لكن الهدف هذه المرة ليس الفوز، بل القيادة الآمنة، حيث يتعلم الذكاء الاصطناعي إكمال اللفات دون الاصطدام أو الخروج عن المسار.
تكافئ الخوارزمية الأداء الدقيق والمتزن، وتخصم النقاط عند ارتكاب أخطاء أو حركات عشوائية.
"نحن نمنح أنظمة القيادة الذاتية فرصةً لتجربة الأخطاء ضمن بيئة آمنة قبل أن تصل إلى الطرق الحقيقية." تقول البروفيسورة شو.
لماذا تختار جامعة ماريلاند لعبة ماريو كارت؟
1. بيئة آمنة وقابلة للتكرار
توفر اللعبة بيئة مغلقة تتيح للذكاء الاصطناعي خوض ملايين التجارب دون أي خطر، وكل حادثٍ رقمي يوفّر بيانات قيّمة.
2. قوانين فيزيائية واقعية
رغم أسلوبها الكرتوني، فإن اللعبة تعتمد على فيزياء واقعية في التسارع والاحتكاك والتوجيه، ما يجعلها نموذجاً مثالياً للتعلم الآلي.
3. تغذية راجعة فورية
يستقبل الذكاء الاصطناعي تقييماً فورياً بعد كل حركة، فيتعلم من الأخطاء بسرعة تفوق الاختبارات الواقعية.
4. الحافز الترفيهي للباحثين
العديد من المهندسين المشاركين في الدراسة نشأوا مع ماريو كارت، ما جعل المشروع يجمع بين الحنين العلمي والمتعة الشخصية.
فابل رمزية: "ماريو ومعلمه الآلي"
في قصة رمزية طريفة داخل أروقة مختبر جامعة ماريلاند، كان هناك روبوت صغير يتعلم القيادة داخل لعبة ماريو كارت. في البداية كان يرتطم بالحواجز مراراً ويسقط من الحواف، حتى بدأ "ماريو" في اللعبة يُعلّمه الطريق. ومع كل لفة، أصبح الروبوت أكثر ذكاءً حتى أنهى السباق بدون أخطاء.
العبرة: في المستقبل، قد يكون اللعب هو أفضل طريقة لتعليم الآلات كيفية التفكير.
كيف يتعلم الذكاء الاصطناعي القيادة؟
يتمرّن النظام من خلال "ملايين اللفات" داخل البيئة الافتراضية، حيث يحصل على نقاط للمناورة الدقيقة وتُخصم نقاط عن التصرفات الخاطئة.
مع الوقت، يبدأ الذكاء الاصطناعي بفهم أن الاستقرار والالتزام بالمسار أهم من السرعة الجامحة.
بالنهاية، يصبح قادراً على التوقف والانعطاف وتفادي العقبات تماماً كما يفعل السائق البشري.
الهدف ليس فقط أداءً مثالياً، بل اكتساب "حسّ القيادة الآمنة" قبل نقله إلى بيئة حقيقية.
أهمية المشروع في تطوير السيارات الذاتية
حالياً، لا تتوفر سوى مستويات محدودة من القيادة الآلية (من 0 إلى 2) على الطرق الأمريكية، حيث تمثل المستويات الأعلى — مثل المستوى الثالث الذي بدأت مرسيدس‑بنز في تطبيقه — خطوة كبيرة نحو الاستقلال التام.
من خلال تدريب الذكاء الاصطناعي في بيئة مثل ماريو كارت، يمكن للباحثين اختبار خوارزميات القيادة، والتحكم في ردود فعل السيارة قبل إطلاقها في الواقع، مما يختصر مراحل التطوير التقليدية ويقلل الأخطار.
"نريد أن نجعل السيارات الآلية تتعلم الهدوء قبل أن نتوقع منها اتخاذ قرارات مصيرية على الطريق." — فريق جامعة ماريلاند.
مراحل التعلم العلمي
1. جمع البيانات: يتم إنشاء قاعدة ضخمة من التجارب الافتراضية بحركات قيادة مختلفة.
2. التحليل الذاتي: يُعاد تقييم أداء النظام بعد كل تجربة لتحديد سلوكه الأمثل.
3. التطبيق الميداني: يتم نقل الخوارزميات إلى نماذج سيارات مصغّرة في المختبر، قبل الانتقال إلى المركبات الحقيقية.
بهذا الأسلوب، يمكن للذكاء الاصطناعي أن "يتخرّج" من فئة الألعاب إلى الشوارع الفعلية، وهو مزوّد بخبرة رقمية تعادل سنوات قيادة بشرية.
فوائد الجيل الجديد من التدريب الافتراضي
تخفيض تكلفة التجارب الواقعية بدرجة ملحوظة.
تسريع اختبار الأنظمة وتقصير مدة التطوير.
ضمان السلامة خلال مرحلة التدريب.
تحفيز ابتكار الباحثين عبر الجمع بين العلم والمرح.
ويشير الباحثون إلى أن هذا النهج سيصبح مستقبلاً جزءاً من خطوات اعتماد السيارات ذاتية القيادة قانونياً — حيث تمر أنظمتها باختبارات افتراضية قبل أن يسمح لها بالسير على الطرق.
نظرة الباحثين للمستقبل
"تماماً كما يخضع البشر لاختبارات القيادة، يجب أن يخضع الذكاء الاصطناعي لامتحان رقمي يثبت قدرته على اتخاذ القرارات الصحيحة بهدوء."
"اللعبة قد تبدو فكرة بسيطة، لكنها أكثر تعقيداً واختباراً للنظام من أي محاكاة أخرى متاحة حالياً."
وفي المرحلة القادمة، يخطط الفريق لاستخدام ألعاب سباق أخرى وربطها بمحاكيات حقيقية مزودة بإحساس التوجيه الواقعي، لتدريب الذكاء الاصطناعي على التعامل مع المواقف المفاجئة في المدن المزدحمة والطرق العامة.
الدروس المستخلصة
تُظهر هذه التجربة أن الألعاب ليست مضيعةً للوقت كما يُقال؛ بل يمكن أن تكون أداة علمية تفتح أبواباً جديدة نحو الابتكار. فبينما استخدم البشر الألعاب لتسلية العقول، تستخدمها الآلات اليوم لتعلّم الذكاء والانضباط.
إنها مفارقة جميلة حين يصبح "ماريو" الذي كان يسعى دوماً للفوز بالكأس الذهبي، معلّماً لروبوتات المستقبل في رحلة نحو طرق أكثر أماناً.