- مقر نيسان في يوكوهاما: من رمز للهوية إلى عبء اقتصادي؟
- إعادة هيكلة شاملة تطال المصانع والوظائف
- تحولات في الابتكار والتحالفات الاستراتيجية
- بين التحدي والفرصة: مستقبل نيسان على مفترق طرق
تواجه شركة نيسان اليابانية مرحلة حرجة تستلزم اتخاذ قرارات مصيرية قد تطال جوهر هويتها الممتدة لعقود. فبعد تكبد خسائر مالية جسيمة بلغت 4.5 مليار دولار خلال عام واحد، شرعت الشركة في تنفيذ خطة تقشف صارمة تهدف إلى خفض التكاليف وضمان استمراريتها. وبينما تتسارع الإجراءات، تبرز إمكانية بيع مقرها الرئيسي في اليابان كخطوة دراماتيكية تعكس حجم التحديات التي تواجهها.
مقر نيسان في يوكوهاما: من رمز للهوية إلى عبء اقتصادي؟
منذ عام 2009، يتخذ المقر العالمي لشركة نيسان موقعًا مميزًا في منطقة ميناتو ميراي 21 بمدينة يوكوهاما، بعد انتقاله من العاصمة طوكيو في خطوة عكست في حينها توجهًا توسعيًا ورؤية جديدة للمستقبل. واليوم، وبعد مرور أكثر من 15 عامًا على افتتاحه، تشير تقديرات محلية إلى أن قيمة المبنى تتجاوز 100 مليار ين ياباني، أي ما يعادل نحو 700 مليون دولار أمريكي (2,6 مليار ريال سعودي).
ووفقًا لتقرير صادر عن صحيفة "نيكي آسيا"، فقد أدرجت نيسان هذا المقر ضمن قائمة الأصول التي من المحتمل بيعها قبل نهاية مارس 2026، ضمن خطة الشركة لإعادة هيكلة مواردها المالية. ورغم أن الرئيس التنفيذي الجديد، إيفان إسبينوزا، لم يُعلن بشكل مباشر عن نية التخلي عن المبنى، فإن تقارير هيئة الإذاعة اليابانية NHK أفادت بأن المقر قد يكون معروضًا للبيع بالفعل.
وفي حال أقدمت نيسان على هذه الخطوة، يُتوقع أن تواصل استخدام المقر عبر نظام الإيجار من المالك الجديد، في إجراء لا يُعد سابقة في عالم السيارات، إذ اتبعت شركة ماكلارين البريطانية نهجًا مماثلًا عند بيع مقرها في ووكينغ لتخفيف أعبائها المالية.
إعادة هيكلة شاملة تطال المصانع والوظائف
لا يُعد بيع المقر سوى خطوة إضافية ضمن خطة نيسان الواسعة لإعادة هيكلة عملياتها عالميًا. فقد أعلنت الشركة عن عزمها إغلاق سبعة مصانع في أنحاء مختلفة، من بينها منشأتان داخل اليابان يُرجّح أن تكونا مصنعي أوباما وشونان، ما يشير إلى تحول كبير في توجهات التصنيع لديها.
كما تشمل خطة التقشف تقليص القوى العاملة بنحو 20 ألف وظيفة خلال السنوات القادمة، في واحدة من أوسع عمليات تسريح الموظفين التي عرفتها نيسان منذ تأسيسها. وعلى صعيد المنتجات، قررت الشركة إيقاف تطوير عدد من الطرازات، إلى جانب تقليص منصات الإنتاج من ثلاث عشرة إلى سبع فقط، بهدف تقليص النفقات وتوجيه الموارد نحو الطرازات الأكثر استراتيجية.
وتسعى نيسان أيضًا إلى تقليل تعقيد مكوّنات السيارات بنسبة تصل إلى 70 بالمئة، في محاولة لزيادة الكفاءة وخفض تكاليف التصنيع وسلاسل الإمداد. ويعكس هذا التوجه سعي الشركة لاعتماد نموذج صناعي أكثر مرونة واستدامة، يواكب المتغيرات السريعة في سوق السيارات العالمية.
تحولات في الابتكار والتحالفات الاستراتيجية
لم تقتصر تحولات نيسان على عمليات التصنيع، بل امتدت لتشمل الهيكل الهندسي والموارد البشرية داخل الشركة. فقد أعادت نيسان توزيع ما يقارب 3,000 موظف من قسم البحث والتطوير نحو مبادرات تركز على خفض التكاليف، في خطوة تعكس تحولًا في التوجهات من التركيز على تطوير التقنيات الجديدة إلى تحسين الكفاءة التشغيلية.
وفي موازاة ذلك، تسعى الشركة إلى تعزيز تحالفاتها الاستراتيجية للحفاظ على مكانتها في الأسواق العالمية. فبالتعاون مع رينو، تعمل نيسان على طرح طرازات جديدة قائمة على قواعد إنتاج مشتركة، من أبرزها نيسان ميكرا المبنية على قاعدة رينو 5. كما تمضي قدمًا في توسيع شراكتها مع ميتسوبيشي لتسريع عملية تطوير الجيل التالي من السيارات، وتدرس في الوقت نفسه إمكانية الاستفادة من بعض مصانعها منخفضة التشغيل في آسيا عبر إسناد جزء من الإنتاج إلى شريكها الصيني دونغفينغ.
بين التحدي والفرصة: مستقبل نيسان على مفترق طرق
رغم عمق الأزمة التي تمر بها نيسان، قد تشكل خطتها الحالية نقطة انطلاق جديدة تنسجم مع متطلبات المرحلة وتتسم بقدر أكبر من الواقعية والمرونة. وفي ظل اشتداد المنافسة داخل سوق السيارات العالمي، يبقى على الشركة إثبات قدرتها على التكيف دون المساس بإرثها الطويل أو مكانتها المرموقة بين صناع السيارات. فهل تتمكن نيسان من اجتياز هذا المنعطف وإعادة بناء صورتها بثقة؟ وحدها الفترة المقبلة ستحمل الإجابة.