- البداية: من مبنى عادي إلى رمز بصري
- كيف أصبحت اللافتة جزءاً من ذاكرة دبي
- فصل من الغياب والعودة من جديد
- "الضوء الذي لم ينطفئ أبداً"
- المعنى الحقيقي وراء اللافتة
- المبنى بين الماضي والحاضر
- علاقة تويوتا بدبي: قصة نجاح مشتركة
- لماذا تبقى لافتة تويوتا مهمة حتى اليوم
لكل مدينة معلمها الأيقوني الذي يعبّر عن هويتها، وفي دبي، لم يكن ناطحة سحاب أو برج شاهق هو الأبرز، بل لافتة مضيئة باللونين الأحمر والأبيض تحمل شعار العلامة اليابانية "تويوتا". هذه اللافتة التي تزيّن مبنى ناصر راشد لوتاه على شارع الشيخ زايد أصبحت على مدى أكثر من أربعة عقود جزءاً من وجدان سكان دبي وزوّارها، وواحدة من أكثر المعالم ارتباطاً بتاريخ تطور المدينة وتحولها إلى حاضرة عصرية نابضة بالحياة.
البداية: من مبنى عادي إلى رمز بصري
يرجع تاريخ مبنى "ناصر راشد لوتاه" إلى عام 1974، أي بعد ثلاث سنوات فقط من تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة. في تلك الحقبة، لم يكن شارع الشيخ زايد كما نعرفه اليوم، بل طريقاً بسيطاً تحيط به مساحات من الرمال وبعض المباني القليلة. لكن هذا المبنى المكوّن من 15 طابقاً كان خطوة جريئة باتجاه المستقبل، إذ مثّل واحداً من أوائل الأبراج السكنية الحديثة في دبي.
في عام 1981، أضيفت إلى سطح المبنى لافتة ضخمة مضيئة كتب عليها "TOYOTA"، لتتحول سريعاً إلى علامة بارزة في سماء المدينة. ومع مرور الوقت، لم تعد اللافتة مجرد إعلان تجاري، بل أصبحت "نقطة مرجعية" يستدل بها الناس لتحديد الاتجاهات، حتى أن معظم سكان دبي أطلقوا على المبنى اسم "مبنى تويوتا"، رغم أنه لا توجد صالة عرض أو وكالة تابعة للشركة في الموقع.
كيف أصبحت اللافتة جزءاً من ذاكرة دبي
في زمن ما قبل الخرائط الرقمية وGPS، كانت عبارة "انعطف بعد مبنى تويوتا" إحدى أكثر الجمل شيوعاً في إعطاء الاتجاهات.
مع مرور العقود، أصبحت اللافتة رمزاً لمرحلة تطور دبي من مدينة بسيطة إلى مركز عالمي.
في الصور القديمة من السبعينيات والثمانينيات، تظهر اللافتة متوهجة وسط الظلام، كأنها منارة تضيء طريق القادمين إلى المدينة.
ومع ازدهار الأبراج الحديثة في التسعينيات، بقيت لافتة تويوتا واقفة وسط التغيّرات، محافظة على حضورها المميز في ذاكرة سكان المدينة.
فصل من الغياب والعودة من جديد
بعد ما يقارب الأربعين عاماً، تمت إزالة اللافتة في عام 2018 بسبب انتهاء عقد الإعلانات. وسرعان ما لاحظ السكان غيابها، فاجتاح الحنين وسائل التواصل الاجتماعي مع مئات الصور والذكريات التي وثّقت اللافتة كمعلَمٍ لا يُنسى من ماضي دبي.
"عندما اختفت لافتة تويوتا، شعرت وكأن قطعة من تاريخ دبي قد أُطفئت"، كتب أحد السكان القدامى.
لكن، كما في كل القصص الجميلة، عادت اللافتة من جديد. ففي عام 2022، أعلنت "الفطيم تويوتا" بالتعاون مع ملاك المبنى عن إعادة تركيب اللافتة، مع كتابة اسم الشركة باللغتين العربية والإنجليزية هذه المرة. جاء ذلك بعد حملة تفاعل واسعة من الجمهور تطالب بإعادة الرمز التاريخي.
وللاحتفال بعودتها، نظّمت الشركة فعالية بعنوان "Toyota Building Photowalk" دعت فيها عشاق السيارات والمصورين لاكتشاف المبنى والحي المحيط به، وتوثيق لحظات الحنين من جديد.
"الضوء الذي لم ينطفئ أبداً"
ذات ليلة قبل أكثر من أربعين عاماً، كانت "نقطة حمراء مضيئة" تلمع على طريق الشيخ زايد في وسط الصحراء. كان ذاك الضوء البسيط وسيلة للّمسافرين كي يهتدوا إلى منازلهم في المدينة الناشئة. ومع مرور الزمن، ازدادت الأضواء واللافتات، لكنّ ذلك الضوء الأحمر ظلّ رمزاً للاستمرارية والذكريات. وعندما انطفأ لبضع سنوات، لم يختفِ من الذاكرة، بل بقي حاضراً في قلب كل من اعتاد رؤيته. وعندما عاد، عاد معه الإحساس بالأصالة والانتماء.
العبرة: بعض الرموز لا تخلد لأنها مشهورة، بل لأنها تختزن قصص الناس والمدينة التي أحبتها.
المعنى الحقيقي وراء اللافتة
تجاوزت لافتة تويوتا كونها إعلاناً تجارياً لتصبح رمزاً ثقافياً ومعمارياً يعكس روح دبي.
رمز للتوسع والتطور، كما يذكر الكاتب تود ريس في كتابه "مدينة العرض"، الذي وصف المبنى بأنه ساهم في تشكيل هوية شارع الشيخ زايد كعمود فقري للمدينة.
إرث معماري بسيط لكنه معبّر، فقد صُمم المبنى بطراز كلاسيكي من الخرسانة مع شرفات مظللة، ليقاوم حرارة الصحراء.
قيمة وجدانية عميقة، إذ بقي رمزاً لأجيال عاشت في دبي قبل عصر الأبراج.
كما يؤكد الباحث العمراني ياسر الششتاوي أن المبنى رغم بساطته يشكل جزءاً من التراث البصري للمدينة ويجب الحفاظ عليه لأنه شاهد على رحلة تطورها الفريدة.
المبنى بين الماضي والحاضر
المبنى المعروف رسمياً باسم "مبنى ناصر راشد لوتاه" لم يكن يوماً مقراً لوكالة تويوتا، بل مجمعاً سكنياً يضم شققاً بأسعار معقولة. وفي سبعينيات القرن الماضي كان يطل على طريقٍ شبه خالٍ تحيط به الرمال. واليوم، بعد أن أحاطته ناطحات السحاب والمراكز التجارية، ما زال صامداً في قلب دبي كمبنى عريق يربط الماضي بالحاضر.
تم تحديث أنظمته الكهربائية والتبريدية، مع الحفاظ على واجهته التراثية الأصلية.
يضم في طابقه الأرضي متاجر بسيطة مثل صالة رياضية ومحل زهور وصالون للرجال — تفاصيل تعكس سحر الحجارة القديمة وسط الهندسة الحديثة.
علاقة تويوتا بدبي: قصة نجاح مشتركة
عندما ظهرت اللافتة لأول مرة في أوائل الثمانينيات، كانت "تويوتا" في بداية طريقها نحو النجاح الكبير في الإمارات بالشراكة مع مجموعة الفطيم. وتماماً مثل دبي، بدأت صغيرة ثم تحولت إلى قصة نجاح عالمية. كلاهما يسيران بخطى ثابتة على نفس النهج — الابتكار، الإصرار، والقدرة على التكيف.
قال فنسنت فيين، المدير العام الأول لمجموعة الفطيم للسيارات: "لقد كانت لافتة تويوتا جزءاً من الإرث البصري لدبي لعقود. إعادتها ليست مجرد تجديد إعلان، بل هي تحية لروح المدينة التي تنبض دوماً بالطموح."
لماذا تبقى لافتة تويوتا مهمة حتى اليوم
لأنها تربط أجيالاً مختلفة من المقيمين والزوار بذاكرة المدينة الأولى.
ولأنها تذكّر بأن الرمزية لا تُقاس بضخامة المباني، بل بقيمة الذكريات التي تحملها.
ولأنها تمثل جزءاً من هوية شارع الشيخ زايد قبل أن تغزوه الأبراج الزجاجية.
عودة لافتة تويوتا ليست مجرد فعلٍ تجاري أو إعادة لإعلان قديم؛ إنها عودة لقطعة من وجدان دبي. كانت شاهدة على حقباتٍ من النمو، ومصدر حنينٍ للأجيال. اليوم، وهي تضيء من جديد سطح المبنى العتيق، تذكّر الجميع أن الرموز الحقيقية لا تموت، بل تعود كل مرة لتروي حكاية جديدة.
إنها ليست لافتة فقط، بل مرآة لرحلة مدينة آمنت بأن الضوء — مهما خفت — سيظل دوماً طريقها نحو المستقبل.