- حجم مشكلة التلاعب بعدّاد الكيلومترات
- العصر الرقمي… لم يحل المشكلة بل زادها سوءًا
- كيف تغيّر السوق بين 2023 و2025؟
- لماذا يُعد التلاعب بعدّاد الكيلومترات مغريًا لبعض البائعين؟
- لماذا يصعب اكتشاف التلاعب في العدّاد؟
- الولايات الأكثر تضررًا من عدّادات “مزورة”
- ولايات صغيرة… لكن نمو المشكلة فيها أسرع
- كيف يمكن للمشتري حماية نفسه من الأميال المزيفة؟
- التأثير الحقيقي على المشتري: خسارة مالية ومخاطر أمان
- هل يمكن القضاء على الظاهرة بالكامل؟
تُعتبر قراءة عدّاد الكيلومترات في السيارات المستعملة أحد أهم الأرقام التي يعتمد عليها المشترون لتقدير حالة السيارة وقيمتها السوقية. فهي المؤشر الأقرب لمعرفة مقدار الاستخدام، في ظل غياب تاريخ صيانة واضح أو معرفة حقيقية بأسلوب قيادة المالك السابق. لكن ما يفترض أن يكون رقمًا موضوعيًا وبسيطًا، يتحول اليوم إلى مصدر خداع واسع النطاق، مع تزايد حالات التلاعب بالعداد في السوق الأمريكية بشكل مقلق.
التقارير الأخيرة تكشف أن ملايين السيارات على الطرق تسير بعدّادات “كاذبة”، ما يعني أن مئات الآلاف من المشترين يدفعون أموالًا إضافية مقابل سيارات قطعت مسافات أكبر بكثير مما يظهر على الشاشة أمامهم، ويتحمّلون لاحقًا تكاليف صيانة وإصلاحات غير متوقعة.

حجم مشكلة التلاعب بعدّاد الكيلومترات
تشير بيانات شركة “كارفاكس” إلى أن ظاهرة التلاعب بالعدادات لم تعد هامشية، بل تحوّلت إلى مشكلة حقيقية في سوق السيارات المستعملة:
يقدَّر عدد السيارات المشتبه بتلاعب عدّاداتها على الطرق الأميركية بنحو 2.45 مليون سيارة.
متوسط الخسارة المالية لكل مشترٍ يقع ضحية لهذا التلاعب يصل إلى نحو 3,300 دولار فوق السعر العادل للسيارة.
هذا الرقم لا يشمل تكاليف الإصلاحات والصيانة غير المتوقعة الناتجة عن المسافات الحقيقية غير المعلنة.
هذه الأرقام تعكس فجوة كبيرة بين الواقع وما يظنه المستهلك عند النظر إلى عدّاد الكيلومترات، وتوضح كيف يمكن لعملية “رقمية” بسيطة أن تغيّر مصير صفقة شراء بالكامل.
العصر الرقمي… لم يحل المشكلة بل زادها سوءًا
عندما انتقلت صناعة السيارات من العدّادات الميكانيكية التقليدية إلى العدّادات الرقمية المتصلة بوحدات التحكم الإلكترونية، ظن كثيرون أن زمن التلاعب يدويًا قد انتهى. لكن ما حدث كان عكس ذلك تمامًا:
سهّلت الرقمنة ظهور أدوات إلكترونية رخيصة يمكنها تعديل قراءة العداد خلال ثوانٍ.
متاجر إلكترونية تبيع أجهزة “تصحيح الأميال” بسعر يتراوح بين 200 و300 دولار فقط.
هذه الأجهزة قادرة – بضغطة زر – على حذف عشرات الآلاف من الأميال من السجل الرقمي للسيارة.
وفقًا لمسؤول في “كارفاكس”، أصبحت عملية التلاعب أكثر شيوعًا مع انتشار هذه الأدوات منخفضة التكلفة وسهلة الاستخدام، خصوصًا مع انتقال معظم السيارات الحديثة إلى عدّادات رقمية بالكامل.

كيف تغيّر السوق بين 2023 و2025؟
تطوّر المشكلة خلال السنوات القليلة الأخيرة يوضح أن الأمر لا يتعلق فقط بالتقنية، بل أيضًا بظروف السوق والمنافسة:
بين عامي 2023 و2024 ارتفعت حالات التلاعب المشتبه بها بنسبة 4% فقط.
في 2025 قفزت النسبة إلى زيادة تقدَّر بنحو 14% مقارنة بالعام السابق.
تَربط “كارفاكس” هذا التسارع بزيادة حدة المنافسة في سوق السيارات المستعملة، ما يدفع بعض البائعين للبحث عن “أفضلية” غير قانونية.
مع ارتفاع الأسعار وتراجع المعروض في بعض الفترات، قد يرى بعض البائعين أن تقليل عدد الكيلومترات الظاهر على العداد هو أسرع طريقة لرفع السعر وجذب المشترين، خاصة عندما تبدو السيارة من الخارج في حالة جيدة.
لماذا يُعد التلاعب بعدّاد الكيلومترات مغريًا لبعض البائعين؟
الدافع الأساسي واضح: المال. لكن التفاصيل تكشف أن اللعبة مربحة جدًّا لمن يغامر باستخدام هذه الأساليب:
تقليل قراءة العداد من 150 ألف ميل إلى 70 أو 80 ألفًا مثلًا يمكن أن يرفع قيمة السيارة آلاف الدولارات.
المشتري العادي غالبًا ما يركز على “الرقم” أكثر من التفاصيل التقنية أو تاريخ الصيانة، ما يجعل الخداع أسهل.
عدم وجود سجل صيانة موثّق أو فواتير دورية يزيد من مساحة التلاعب ويقلل من فرص اكتشافه.
في ظل هذه المعطيات، يصبح الاستثمار في جهاز بثمن 200–300 دولار صفقة رابحة للبائع غير النزيه، مقابل عائد قد يتجاوز 3,000 دولار في سيارة واحدة فقط.
لماذا يصعب اكتشاف التلاعب في العدّاد؟
جزء من خطورة الظاهرة أن آثار التعديل الرقمي لا تظهر بالعين المجردة، بخلاف العدّادات الميكانيكية القديمة التي كانت تترك أحيانًا آثارًا واضحة:
الأجهزة الحديثة لا تغيّر الرقم فقط، بل تعيد كتابة البيانات في النظام نفسه، ما يلغي القيمة السابقة تمامًا.
بدون تاريخ مسجل للقراءات في فواتير الصيانة أو فحوصات دورية، يصبح من الصعب مقارنة الأرقام واكتشاف التناقض.
في كثير من الحالات لا توجد أي رسالة خطأ أو تحذير في النظام الإلكتروني للسيارة بعد التلاعب.
النتيجة أن السيارة تَظهر أمام المشتري وكأنها قطعت مسافة أقل بكثير، بينما المكونات الميكانيكية – من نظام التعليق إلى الفرامل وناقل الحركة – تكون قد استُهلكت في الواقع لمسافات أطول.
الولايات الأكثر تضررًا من عدّادات “مزورة”
تُظهر بيانات “كارفاكس” أن المشكلة ليست موزعة بالتساوي على جميع الولايات، بل تتركز بشكل أكبر في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية وسوق السيارات النشط:
تتصدر ولاية كاليفورنيا القائمة بأكثر من 532,000 سيارة يُشتبه بتلاعب عدّاداتها.
تأتي تكساس في المركز الثاني بنحو 333,900 سيارة.
ثم فلوريدا بحوالي 109,000 سيارة، تليها نيويورك بـ 104,000 سيارة، وإلينوي بنحو 92,500 سيارة.
ولايات أخرى مثل بنسلفانيا، جورجيا، فيرجينيا، أريزونا، وكارولاينا الشمالية تسجّل أيضًا عشرات الآلاف من الحالات المشتبه بها لكل منها.
هذا التركز في الولايات الكبرى منطقي إذا أخذنا في الاعتبار حجم السوق وعدد عمليات البيع والشراء، ما يرفع فرص ظهور حالات التلاعب وعدد الضحايا المحتملين.
ولايات صغيرة… لكن نمو المشكلة فيها أسرع
المقلق أن النمو النسبي في بعض الولايات الأصغر من حيث عدد السكان يبدو أعلى من الولايات الكبرى، ما يشير إلى أن الظاهرة تتمدّد جغرافيًا:
مونتانا تسجل أعلى قفزة في الحالات المشتبه بها بنسبة تقارب 33% مقارنة بعام 2024.
تينيسي تأتي بعد ذلك بنسبة زيادة تبلغ 30%.
أركنساس تقفز بنحو 28%، وأوكلاهوما بحوالي 25%.
كانساس تسجّل زيادة تقارب 24%.
نيوجيرسي ترتفع فيها الحالات بنسبة 21%، بينما تشهد فلوريدا نفسها نموًا إضافيًا بنسبة 20%.
هذه النسب توحي بأن التلاعب بعدّاد الكيلومترات لا يظل حبيس الأسواق الكبرى فقط، بل ينتشر تدريجيًا إلى ولايات أقل شهرة، ما يزيد صعوبة حصره ومواجهته.
كيف يمكن للمشتري حماية نفسه من الأميال المزيفة؟
في ظل انتشار هذه الممارسات، لم يعد الاعتماد على رقم العداد وحده كافيًا لتقييم سيارة مستعملة. هناك مجموعة من الخطوات الضرورية لحماية نفسك من الوقوع في الفخ:
الاستعانة بتقارير تاريخ المركبة
الاعتماد على تقارير من شركات مثل “كارفاكس” يمكن أن يكشف عن قراءات عدّاد سابقة مسجلة في عمليات صيانة أو فحوصات فنية أو نقل ملكية.
أي قفزة غير منطقية في الأرقام، أو فترات طويلة دون تسجيل، قد تكون مؤشرًا على التلاعب.
فحص ميداني دقيق للمكونات
مقارنة حالة المقصورة (تآكل عجلة القيادة، البدالات، الكرسي) مع الأميال المعلنة؛ سيارة بعداد منخفض لا يفترض أن تبدو “منهكة” من الداخل.
النظر إلى حالة الإطارات، أنظمة التعليق، والفرامل؛ مكوّنات السيارة غالبًا ما تكشف عن العمر الحقيقي أفضل من الشاشة الرقمية.
مراجعة سجلات الصيانة والفواتير
البحث عن فواتير صيانة تحمل تواريخ وقراءات عدّاد سابقة، ومقارنتها بالرقم الحالي.
وجود فجوات كبيرة أو غياب تام للوثائق في سيارات عالية السعر يثير علامات استفهام.
الاستعانة بفني مستقل قبل الشراء
فحص شامل لدى مركز موثوق أو ميكانيكي مستقل يمكن أن يكشف عن استهلاك يتعارض مع الرقم المُعلن.
التأثير الحقيقي على المشتري: خسارة مالية ومخاطر أمان
لا تتوقف أضرار التلاعب عند دفع سعر أعلى من المفترض فقط، بل تمتد لتشمل جوانب السلامة والاعتمادية:
دفع متوسط إضافي قدره 3,300 دولار يعني أن المشتري يخسر جزءًا ملموسًا من قيمة أمواله مقارنة بما كان سيحصل عليه لو كانت الأميال صحيحة.
قطع السيارة لمسافات أكبر من المُعلن يعني أن قطعًا حيوية قد اقتربت من نهاية عمرها دون أن يدرك المالك الجديد ذلك.
يمكن أن تظهر أعطال في أنظمة حساسة – مثل الفرامل أو التعليق أو ناقل الحركة – في وقت أقرب من المتوقع، ما يفرض تكاليف مفاجئة وربما مخاطر على السلامة.
بالنسبة للكثيرين، تُشترى السيارة المستعملة كتوفير اقتصادي مقارنة بسيارة جديدة، لكن التلاعب بعدّاد الكيلومترات قد يحوّل هذه الصفقة “الذكية” إلى عبء مالي طويل الأمد.
هل يمكن القضاء على الظاهرة بالكامل؟
في ظل الطبيعة الرقمية الحديثة للسيارات، يبدو من الصعب القضاء على الظاهرة بشكل كامل، لكن يمكن تقليصها بشكل كبير من خلال:
تشديد القوانين والعقوبات على من يثبت تلاعبه بعدّاد الكيلومترات.
توسيع إلزامية توثيق قراءات الأميال في كل فحص دوري أو تجديد تسجيل أو عملية صيانة رسمية.
رفع وعي المستهلكين حول عدم الاكتفاء بالنظر إلى رقم العداد، والاعتماد على فحص شامل وتاريخ موثوق للسيارة.
كلما أصبح المشتري أكثر وعيًا، أصبح من الصعب على البائعين غير النزيهين تمرير “أميال مزيفة” دون اكتشافها، وهو ما قد يحد تدريجيًا من انتشار هذه الممارسات.
